مفهوم التقية عند الشيعة
١- أرجو من حضرتكم توضيح معنى التقية عند الشيعة، ولماذا يعيب المخالفون على الشيعة بسببها؟ 2- ولماذا الخطباء لا يذكرون كلّ مايتعلق بتأريخ أهل البيت عليهم السلام، ويقولون أنه تقية؟
ج١/ التقية، مصطلح ديني، والمراد منه أن لا يُظهر الإنسان عقيدته، أو نيته الحقيقية، كما يضمرها في قلبه، وذلك لدليل مقنع، وهذا المعنى منصوص عليه في المصادر الإسلامية؛ وما يؤيد العمل بالتقية الدليل العقلي إلى جانب النقلي القرآني والروائي. والتقية تعني حفظ النفس من الأذى، وهي تختلف عن النفاق؛ لأنَّ التقية إظهار الكفر وإخفاء الإيمان، بينما النفاق إظهار الإيمان وإخفاء الكفر، فبينهما أشد الاختلاف وإليك الأدلة: القرآنية إنّ المعنى الذي ذكرناه للتقية، يمكن استنباطه من القرآن الكريم، كما في قوله تعالى: ﴿لا يَتَّخِذِ الْمُؤْمِنُونَ الْكَافِرِينَ أَوْلِيَاءَ مِن دُونِ الْمُؤْمِنِينَ وَمَن يَفْعَلْ ذَٰلِكَ فَلَيْسَ مِنَ اللَّهِ فِي شَيْءٍ إِلَّا أَن تَتَّقُوا مِنْهُمْ تُقَاةً وَيُحَذِّرُكُمُ اللَّهُ نَفْسَهُ وَإِلَى اللَّهِ الْمَصِيرُ﴾.يذكر المفسرون إن سبب نزول هذه الآية هو أنّ قريشاً كانت تؤذي المسلمين، وهذه الآية تجيز للمسلمين الكفر باللسان دون القلب تحت التعذيب.[8]وقد استنبط المفسرون وفقهاء الشيعة،[9] وأهل السنة، من هذه الآية العمل بالتقية. ومن الآيات الدالة على التقية أيضاً، قوله تعالى:﴿مَن كَفَرَ بِاللَّـهِ مِن بَعْدِ إِيمَانِهِ إِلَّا مَنْ أُكْرِهَ وَقَلْبُهُ مُطْمَئِنٌّ بِالْإِيمَانِ وَلَـٰكِن مَّن شَرَحَ بِالْكُفْرِ صَدْرًا فَعَلَيْهِمْ غَضَبٌ مِّنَ اللَّـهِ وَلَهُمْ عَذَابٌ عَظِيمٌ﴾، فيذكر المفسرون أنّ هذه الآية نزلت في عمار بن ياسر، حين قتل مشركو قريش والديه أمامه، وكان تحت التعذيب، فكفر بالنبي(ص)، وأخبر عمار النبي(ص) بعد ذلك إنه فعل ذلك بلسانه فقط، ولم يتسلل الكفر الى قلبه. فقبل النبي (ص) هذا العذر منه، وأخبر الآخرين أن يفعلوا مثل عمار إذا تعرّضوا للأذى إعتماداً على هذه الآية. وكذلك قوله تعالى: ﴿وَقَالَ رَجُلٌ مُّؤْمِنٌ مِّنْ آلِ فِرْعَوْنَ يَكْتُمُ إِيمَانَهُ أَتَقْتُلُونَ رَجُلًا أَن يَقُولَ رَبِّيَ اللَّـهُ وَقَدْ جَاءَكُم بِالْبَيِّنَاتِ مِن رَّبِّكُمْ ۖ وَإِن يَكُ كَاذِبًا فَعَلَيْهِ كَذِبُهُ ۖ وَإِن يَكُ صَادِقًا يُصِبْكُم بَعْضُ الَّذِي يَعِدُكُمْ ۖ إِنَّ اللَّـهَ لَا يَهْدِي مَنْ هُوَ مُسْرِفٌ كَذَّابٌ﴾. ويمكن الاستناد إلى الآيات الدالة على الإضطرار والحرج؛ لفهم جواز التقية أو وجوبه في الظروف الاستثنائية؛ كآيات: 173 - 183 - 195 من سورة البقرة و145 الأنعام و115 النحل و78 الحج. كما أن بعض الروايات تستند بالآيات الدالة على معنى التقية ووجوب العمل به أو جوازه أو عدمهما. الروائية هناك الكثير من الأحاديث التي تدلّ على جواز التقية، كما تدل أيضاً على أن التقية من أفضل أعمال المؤمنين؛ إذ فيها إصلاح الدين، ولا يكتمل الدين إلا بها، ومنها: 1- سئل الامام الصادق (عليه السلام) عن التقية فقال: (التقية من دين الله، قلت: من دين الله؟ قال: أي وا… من دين الله، ولقد قال يوسف: (( ايتها العير انكم لسارقون )) والله ما كانوا قد سرقوا شيئاً، ولقد قال ابراهيم: ((إني سقيم)) والله ما كان سقيماً). (الكافي 2: 172/3، المحاسن 258،303). وهناك أحاديث كثيرة بهذا المضمون. 2- ومن مصادر بقية المسلمين ما اخرج البخاري عن عروة بن الزبير: أن عائشة أخبرته: "أنَّهُ اسْتَأْذَنَ علَى النبيِّ صَلَّى اللهُ عليه وسلَّمَ رَجُلٌ فَقالَ: ائْذَنُوا له، فَبِئْسَ ابنُ العَشِيرَةِ - أوْ بئْسَ أخُو العَشِيرَةِ - فَلَمَّا دَخَلَ ألَانَ له الكَلَامَ، فَقُلتُ له: يا رَسولَ اللَّهِ، قُلْتَ ما قُلْتَ، ثُمَّ ألَنْتَ له في القَوْلِ؟ فَقالَ: أيْ عَائِشَةُ، إنَّ شَرَّ النَّاسِ مَنْزِلَةً عِنْدَ اللَّهِ مَن تَرَكَهُ - أوْ ودَعَهُ النَّاسُ - اتِّقَاءَ فُحْشِهِ". الراوي : عائشة | المحدث : البخاري | المصدر : صحيح البخاري | الصفحة أو الرقم : 6131. وكذا كثير من الروايات الصريحة بهذا المضمون، والتي نقل قسماً منها صاحب الوسائل،وفي سيرة النبي صلى الله عليه وآله، ما دل على جوازها؛ إذ تنقل الروايات بأنّ بعض أصحاب النبي (ص) من الذين هاجروا إلى المدينة المنورة طلبوا منه الرجوع إلى مكة المكرمة من أجل لملمة أموالهم، وطلبوا منه الرخصة في أن يظهروا ميلاً عنه في اللسان دون القلب، ليتجنبواً عناد المشركين، فأذن لهم النبي(ص). وهناك العديد من الصحابة يقولون بالتقية: كابن عباس،وجابر بن عبدالله الأنصاري،وإبن مسعود،وأبو الدرداء، كما أن سيرة الأنبياء والصالحين تدلّ على جواز التقية، كتعامل النبيّ إبراهيم (ع) مع الكفار، كما أنّ آسية بنت مزاحم إمرأة فرعون كانت تخفي إيمانها بالله وبرسالة موسى(ع)، وكذلك تقية أصحاب الكهف. الإجماع كما يستدل الشيعة على جواز التقية بـالإجماع المتصل بزمن الحضور، وكذلك تأخذ بقية الفرق الإسلاميّة به، فكلّ المسلمين يقولون به، وإن اختلفوا في سعتها وضيقها. فقد اتفق جميع المسلمين، وبلا استثناء على أنّ النبي (صلى الله عليه وآله)، كان يدعو الناس سراً إلى الإسلام مدّة ثلاثة عشر عاماً من نزول الوحي، فلو كانت التقية غير مشروعة، لكونها نفاقاً لما مرّت الدعوة للدين الحنيف بهذا العمر من التستر والكتمان. وقد نقل الاجماع على أن التقية مشروعة وجائزة جمهرة من علماء السنة منهم: 1- القرطبي المالكي (الجامع لاحكام القرآن 10: 180): اجمع أهل العلم على ان من اكره على الكفر حتى خشي على نفسه القتل انه لا إثم عليه ان كفر وقلبه مطمئن بالايمان. 2- ابن كثير الشافعي / تفسيره 2: 609. 3- ابن حجر العسقلاني / فتح الباري 1: 264. العقل والسيرة العقلائية إنّ من أهم الأدلة في هذا المجال هو: أنّ العقل يحكم بضرورة دفع الضرر والأذى عن النفس، وبالاعتماد على هذا الدليل، فإنّ التقية لا تختصّ بالشيعة؛ لأنّ الدليل العقلي هو حاكم على الجميع، ولا يميّز بين شيعي وغيره. إضافة لحكم العقل ذاك توجد سيرة عقلائيّة ممضاة؛ لإنّ جميع العقلاء يستعملونها في حالات الخطر والضرر من دون أن يسموها تقية. ج٢/ كثير من الخطباء يقدمون كل ما باستطاعتهم، وفقهم الله، وجزاهم الله خيراً عن الإسلام ، ولكن على المؤمن أن يبحث بنفسه، ويقرأ المصادر المعتمدة في ذلك. كالطالب وأستاذه، فإنّ الأمر لا يقع كلّه على المعلّم، بل جلّه يقع على الطالب في القراءة والبحث.